الأحد، 21 مارس 2010

الانتهاكات البيئية للاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة

أمل خيري

نشر بتقرير القدس

مركز الاعلام العربي

في الوقت الذي صدرت فيه العديد من التقارير والدراسات التي تناولت الآثار الخطيرة لاستمرار الاحتلال الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي فإن الآثار البيئية لاستمرار الوجود العسكري لم تلق الاهتمام الكافي على الرغم مما لهذه الممارسات العسكرية من تداعيات خطيرة على البيئة وإدارة الموارد الطبيعية خاصة في ظل السرية التي تحيط بتحركات القوات الإسرائيلية .

ولذا يأتي التقرير الصادر عن معهد الأبحاث التطبيقية بالقدس "أريج" ليهتم بهذا الجانب ويحمل التقرير عنوان "الأثر البيئي للأنشطة العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة" ، والذي أشرف على إعداده الدكتور جاد اسحاق المدير العام للمعهد ، وصدر التقرير باللغة الانجليزية مطلع عام 2010 ليلقي الضوء على أهم تداعيات الأنشطة العسكرية الاسرائيلية على البيئة في الضفة الغربية وقطاع غزة .

نظرة تاريخية

منذ يونيو 1967 بدأ الاحتلال الإسرائيلي بشكل غير قانوني في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وعلى مدى أكثر من 40 عاما من الاحتلال قامت القوات الإسرائيلية بمصادرة الأراضي الفلسطينية تحت دعوى رعاية الاحتياجات العسكرية إضافة إلى إيواء أكثر من نصف مليون من المستوطنيين غير الشرعيين على هذه الأراضي المصادرة، فقد صادرت إسرائيل ما يقارب 1000 كم2 لإنشاء مناطق عسكرية مغلقة مثلت أكثر من 20% من أراضي الضفة الغربية ، وباستثناء المناطق الواقعة بين الخط الأخضر وجدار الفصل العنصري فإنه يحظر على الفلسطينيين دخول كافة المناطق العسكرية التي تتركز في بيت لحم والخليل ، كما أعلنت السلطات الإسرائيلية في عام 2004 عن إضافة مناطق معزولة أخرى تبلغ حوالي 252 كم2 حيث لا يسمح للفلسطينيين بالوصول إليها.

هذه المناطق كانت تضم أراض زراعية يعمل فيها آلاف الفلسطينيين من صغار المزارعين والرعاة ، وهذا العزل أدى إلى انتشار التصحر في هذه الأراضي ، وما زال الاحتلال حتى اليوم يقوم بإخلاء مناطق أخرى ففي مايو 2009 قام الاحتلال بترحيل أكثر من 300 شخص من بينهم 170 طفل حيث صدرت قرارات هدم وإخلاء بغرض التوسع في إنشاء مناطق عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية.

وبالإضافة للمناطق العسكرية المغلقة قامت إسرائيل بإنشاء أكثر من 210 قاعدة عسكرية على أراضي فلسطينية تبلغ مساحتها 38 كم2، تتنوع أغراض هذه القواعد ما بين نطاقات لإطلاق النار ومراكز للمراقبة وثكنات للجيش ومرافق للاتصالات السلكية واللاسلكية ومستودعات للوقود وكل هذه الاستخدامات لها أضرار بالغة على البيئة، حيث جرفت الأراضي الزراعية الخصبة وانتشر التلوث البيئي خاصة في فترات النشاط العسكري المكثف أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993) والثانية (منذ عام 2000) وبلغت ذروتها في الهجوم الإسرائيلي على غزة (ديسمبر 2008- يناير2009) ، فقد شهدت هذه الفترات أعلى نسبة تدمير للبيئة والاقتصاد الفلسطيني ، وكان الهجوم الأخير على غزة ينذر بكارثة بيئية على قطاع غزة والمناطق المحيطة به. وفي حين تعترف إسرائيل بإلتزاماتها بموجب اتفاقيات لاهاي الخاصة بالاحتلال فإنها تعترض على انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث تعتبر نفسها مسئولة عن الأراضي الفلسطينة وليست جهة إحتلال وبالتالي فهي معفاة من المسئولية القانونية .

الألغام والقذائف

على مدى الستين عاما الماضية قامت إسرائيل بزرع كميات غير معروفة من الألغام الأرضية والمتفجرات المتناثرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة معظمها تخلف عن أنشطة تدريب عسكري دون أن تحيطها بسياج أو تضع علامات وأغلبها في مناطق مأهولة بالسكان، ونتيجة لذلك قتل أو أصيب ما يزيد عن 2500 من المدنيين منذ عام 1967 أغلبهم من الأطفال دون أدنى مسئولية على إسرائيل خاصة في ظل رفضها التوقيع على اتفاقية أوتاوا لحظر الألغام الأرضية المضادة للأفراد ، وخلفت الحرب الأخيرة على غزة أكثر من 120 قطعة من الذخائر و31 من قذائف الفسفور الأبيض غير المنفجرة داخل قطاع غزة والتي تؤثر بالسلب على البيئة إضافة إلى الخسائر البشرية والاجتماعية.

وكان فريق الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام قد قام بمسح أكثر من 12000 هكتارا من الأراضي الزراعية واكتشف أن 17% من المساحة الكلية المزروعة في قطاع غزة قد دمرت بالكامل أثناء الحرب.

تسرب الإشعاع

رغم سياسة الغموض التي تحيط بما تملكه إسرئيل من ترسانة نووية فإنه من المسلم به امتلاكها ما بين 200: 250 رأسا نوييا حربيا ويقع مركز إنتاج الأسلحة النووية في النقب على بعد 40 كم جنوب الخط الأخضر على حدود الضفة الغربية، وإذا كان هناك خلاف على مدى ما يسببه وجود المحطات النووية من تهديد للصحة والبيئة في منطقة ما فإن هناك العديد من المؤشرات المقلقة على ما يستتبع دفن النفايات السامة من زيادة معدلات الإصابة بالسرطان وتشوه الأجنة في التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية ،ووفق أبحاث أجريت في جامعة بن جوريون تم التأكيد على حدوث تسرب إشعاعي في نظم المياه الجوفية في وادي عربة وفي صحراء النقب ،وحذرت الدراسة من مخاطر هذه المياه الملوثة على صحة الإنسان ، كما تشير بعض الدراسات إلى أن المفاعل الذي مضى على إنشائه أربعين عاما يثير المخاوف من زيادة التسرب الإشعاعي. وبالإضافة لمخاطر الإشعاع من المنشآت النووية الإسرائيلية فإن هناك مخاوف أخرى من قيام القوات الإسرئيلية بدفن بواقي الأسلحة والآلات الحربية المستخدمة والتي تنبعث منها أشعة بيتا المدمرة للبيئة.

البنية التحتية وتدمير البيئة

تدعم كثير من المستوطنات الإسرائيلية البنية العسكرية التحتية بل تعد هي نفسها جزءا من البنية التحتية لهذه القوات وبالتالي لا يمكن التفريق بين المشروعات العسكرية والمستوطنات ، وفي نهاية الأمر يجب أن ندرك أن هذه البنية التحتية المعقدة لها آثار خطيرة على البيئة المحلية والموارد الطبيعية. فإسرائيل تتبع سياسة مزدوجة فيما يخص تخطيط شبكات الطرق الفلسطينية والإسرائيلية ففي الضفة الغربية تخصص 5,2 كم لكل 1000 شخص بينما يخصص 2,6 كم لكل 1000 شخص في إسرائيل وهذه الشبكات تساهم في إختلال النظم الأيكولوجية الطبيعية وتؤدي لمزيد من تفتيت الأراضي في الضفة الغربية ،علاوة على ما تسببه المستوطنات والمركبات العسكرية الإسرئيلية من زيادة الضوضاء وتلوث الهواء، كما أن نقاط التفتيش على الحواجز الإسرائيلية تؤدي لزيادة حجم حركة المرور على الطرق الفلسطينية وزيادة زمن الرحلة وبالتالي زيادة تلوث الهواء من عوادم السيارات وتعد مدينتا بيت لحم ورام الله من أكثر المناطق المتضررة من هذه الحواجز حيث تبلغ المسافة بين المدينيتن 25,5 كم وتستغرق الرحلة بينهما 23 دقيقة على الأكثر إلا أنه منذ إنشاء هذه الحواجز يضطر الفلسطينيون لسلوك طريق ملتوي يستهلك في المتوسط ساعة.

كما تشير بعض الدراسات إلى الأضرار البيئية الجسيمة على التربة والمياه الجوفية بسبب تسرب الوقود والزيوت بالقرب من محطات الوقود الخاصة بجيش الدفاع الإسرائيلي في عدة قواعد عسكرية بالضفة الغربية.

التكلفة البيئية لجدار الفصل العنصري

تسبب إنشاء جدار الفصل العنصري في مصادرة 24% من أراضي قطاع غزة وأغلب هذه الأراضي كانت من الأراضي الزراعية الخصبة التي كانت تنتج العديد من المحاصيل كالقمح والفول والشعير والخضر والزيتون واللوز ، وقام الجدار بابتلاع هذه الأراضي حيث قامت الجرافات بتسوية التربة لإنشاء الجدار ، كما أن عملية البناء استهلكت آلات ضخمة وملايين الأطنان من الأسمنت والتي نتج عنها انبعاثات هائلة للكربون وتلوث للمياه فاقت كل الحدود ،وأشار تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن بناء الجدار أدى إلى اقتلاع 100,000 شجرة وتدمير 36000 متر من شبكات الري ، وتكرر نفس الأمر في الضفة الغربية مع تدمير في شبكات الصرف مما ترتب عليه إغراق الأراضي الزراعية وتدمير المحاصيل إضافة إلى حدوث فيضانات مدمرة في أوقات هطول الأمطار والتي تسببت في العديد من الآثار البيئية.

حرب غزة

جاءت الحرب الأخيرة على غزة بعد عامين من الحصار المستمر الذي أصاب المرافق والمؤسسات بالشلل لتضيف المزيد من الدمار من خلال القصف المتواصل على مدى أكثر من 23 يوم دمر فيها أكثر من 2692 منزل و180 صوبة زراعية و167 كم من الطرق و220 جسر وأضرار أخرى فادحة على آبار المياه الجوفية وأنابيب مياه الشرب وأنابيب الصرف الصحي التي اختلطت بمياه الشرب والري ، وتقدر الخسائر البيئية لهذه الحرب بحوالي 44 مليون دولار وهو ما يعطينا فكرة عن حجم الدمار البييئي في أقل من شهر.

وفي ختام استعراض التقرير يمكن التأكيد على أنه إذا كانت الاثار البيئية للاحتلال العسكري على الأراضي الفلسطينية المحتلة في فترات التهدئة خطيرة فإنها تفوق الوصف في فترات الحرب وتعيق أي خطط للتنمية البيئية المستدامة طالما استمر هذا الاحتلال.

الأحد، 14 مارس 2010

تنمية المجتمعات الريفية.. خذ الخبرة من آسيا

أمل خيري

في الآونة الأخيرة تصاعد الحديث عن تنمية القدرات وتطويرها خاصة في ظل الانهيار المتواصل للمؤسسات والشركات، إلا أن تطوير القدرات ليست مسألة بسيطة سواء في التحدث عنها أو الكتابة حولها ناهيك عن وضعها موضع التنفيذ.

ويشير مصطلح تنمية القدرات –وفق قاموس وبستر أون لاين – إلى القدرة على الأداء أو الإنتاج، والقدرة على التعلم والاحتفاظ بالمعرفة، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.

ويعد أسلوب التعلم التعاوني والمبتكر من أحدث الأساليب المستخدمة في مجال تنمية القدرات على المستوى الجماعي وهناك العديد من التجارب الناجحة في هذا المجال خاصة في حقل التنمية الريفية.

حول هذا الأسلوب صدر كتاب "التعلم التعاوني في الممارسة نماذج لادارة الموارد الطبيعية في آسيا" الصادر عن مركز أبحاث التنمية الدولية "IDRC" والذي قام بتحريره روني فيرنوي، ويركز الكتاب على استراتيجيات التعلم التعاوني الابداعي في التنمية الريفية فيما يخص إدارة الموارد الطبيعية مع تقديم نماذج ناجحة في القرية الآسيوية، حيث تؤكد هذه النماذج على أن تنمية القدرات الفعالة هي عملية ديناميكية يمكن تطويرها بسهولة في السياق المحلي، من خلال التركيز على أهداف التعلم، وتكامل الخبرات والتعاون التنظيمي، وتطبيق آليات الرصد والتقييم التشاركي، والإدارة الديناميكية.

نحو مراكز تميز مجتمعية

يشتمل الكتاب على خمس فصول يعرض من خلالها ثلاث نماذج آسيوية نجحت في إدارة الموارد الطبيعية من خلال مراكز الادارة المجتمعية التي تحاول تطوير المهارات عبر منظور أوسع وأشمل للتعلم وطرق جديدة للتفكير وتنمية الهوية الجماعية واكتساب التواصل المعرفي، وهذه هي أهم الدروس المستفادة من هذه النماذج حيث لا تنجح إدارة الموارد الطبيعية إلا من خلال اسلوب الإدارة المجتمعية حيث يتشارك الجميع في التفكير والتنفيذ خاصة مع التطور المذهل في تكنولوجيا الاتصالات التي أتاحت المزيد من التعاون والمشاركة المجتمعية وتبادل الخبرات.

وهذا ما دفع الباحثين في مركز أبحاث التنمية الدولية "IDRC" للدعوة لإنشاء مراكز تميز مجتمعية على المستوى المحلي والاقليمي، ولا يشير مفهوم "المراكز" بالضرورة لوحدات مادية أو منشآت قائمة بل يمكن أن تأخذ شكل شبكة أو تجمع افتراضي أي مجموعة من الأفراد والمؤسسات والمراكز مشتركين في نشاط مشترك ويسعون لأهداف مشتركة ويفكرون بشكل جماعي، وهو ما تجلى بوضوح في النماذج التي أوردها الكتاب.

التنمية بالمشاركة

النموذج الأول يعبر عن برنامج لإدارة الموارد الطبيعية في دول جنوب آسيا استخدمت فيه مجموعة متنوعة من أساليب التعلم سواء من حيث التدريب المباشر أو تعلم الأقران أو التوجيه والعمل الميداني، وشارك في هذا البرنامج 16 منظمة من خمسة بلدان جنوب القارة الآسيوية من بينها منظمات غير حكومية محلية ودولية ومراكز بحوث مجتمعية تشمل مجالات عمل هذه المنظمات إنتاج المحاصيل والتنوع البيولوجي والمحافظة على الغابات والصحة والتغذية وتنمية المجتمع.

ويعتمد البرنامج على تمكين الفقراء من المشاركة في الانتاج الزراعي مع المحافظة على الموارد الطبيعية على المدى الطويل، كمثال على ذلك تشكلت مجموعة مساعدة ذاتية من النساء الفقيرات في ولاية أندرا براديش الهندية لتحسين معيشة هؤلاء النساء من خلال جمع بذور البونجاميا "الزان الهندي" واستخلاص الزيوت منها لاستخدامها كوقود حيوي.

وبفضل المعارف التي اكتسبتها النساء من الباحثين الميدانيين في هذا البرنامج أصبحت المرأة تبيع لتر الزيوت المستخلصة مقابل 30 روبية (ما يعادل 0,62 دولار) وهو ما حقق الاكتفاء الذاتي لهذه القرية فلم يعد هناك حاجة للرجال أو النساء للخروج من القرية للبحث عن عمل حتى في فترات الجفاف.

وفي أعالي جبال بوتان أدركت المجتمعات الزراعية أهمية العمل الجماعي في إدارة مشروعات الري لمواكبة زيادة الطلب على الموارد المائية للزراعة حيث قام الباحثون مع المزارعين بتحليل مشكلات الري والتعرف على أسباب سوء استغلال الموارد المائية وتوجيه المزارعين للاستخدام الأمثل.

ويستغرق هذا البرنامج عامين يتم تنفيذه على ثلاث مراحل: مرحلة تقييم الاحتياجات والتخطيط وتشمل تدريب تمهيدي على مدى أسبوعين ،ثم مرحلة البحوث الميدانية، وأخيرا حلقات نقاش وورشة عمل تجميعية ، مع تذليل الصعاب التي تكتنف هذه اللقاءات مثل السماح للأمهات باصطحاب الأطفال أثناء التدريب والورش وتوفير وسائل نقل للمتدربين.

التعلم بالتكيف

يتناول النموذج الثاني شبكة إدارة الموارد الطبيعية لدول جنوب شرق آسيا والذي يهدف لتكوين مجتمع من الباحثين المشاركين في إدارة الموارد الطبيعية وإقامة مركز إقليمي لهذا المجتمع وهو عبارة عن تجمع من الأفراد والمؤسسات غير الحكومية والجامعات ومراكز البحوث والمنظمات المجتمعية واعتمدت هذه الشبكة أسلوب التعلم المباشر والتعلم عبر الانترنت.

وهذا التجمع من المزارعين والباحثين يهدف لتحقيق الادارة المستدامة لحاجات البيئة للتكيف مع الظروف المتغيرة سواء بخصوص انتشار الفقر أو تدهور الموارد، ويطلق على هذا النهج التعلم التكيفي أو التعلم بالتكيف والذي يستند إلى فرضية أن تعلم المشاركين من تجاربهم يمكنهم من الاستجابة بفعالية أكبر وإتاحة الفرصة لاتخاذ قرارات أفضل فيما يخص إدارة الموارد الطبيعية.

ففي الفلبين على سبيل المثال اشتركت خمس منظمات في برنامج استفاد منه السكان المحليون في إحدى البلدات الجبلية حيث تم تدريب السكان من الفقراء وخاصة النساء باستخدام رسوم توضيحية ووسائل تعليمية بسيطة من البيئة المحيطة كالحجارة وحبات الذرة والجوز والبندق، وتم التدريب على كيفية استخدام الأسمدة وتنسيق أشجار الفاكهة في الحديقة وإنشاء مزارع سمكية وكل هذه التدريبات ساهمت في تحسين انتاجية المحاصيل والماشية ومن ثم أحوال المزارعين المعيشية مما خفف من الضغط على الموارد الطبيعية، وفي مناطق أخرى تم الاعتماد على التعلم الالكتروني حيث يتبادل المتدربون النقاشات والخبرات عبر منتديات مخصصة لذلك.

ويستخلص الكتاب العوامل المساهمة في تحسين عملية التعلم من خلال هذه الشبكة وتتمثل في:

  1. الالتزام المؤسسي من جانب المشاركين والمشرفين على المؤسسات المشاركة في البرنامج.
  2. تكوين الشبكات المحلية والإقليمية من الدارسين في هذا النظام.
  3. مشاركة المعارف والخبرات.
  4. اللقاء بالمدربين وجها لوجه ولو لمرة واحدة.
  5. المشاركة في عملية التعلم أفقيا (بين الباحثين والمتدربين) ورأسيا (بين السياسات المؤسسية والمجتمعات المحلية المشاركة).

التعليم العالي في خدمة التنمية

وإلى الصين يأخذنا النموذج الثالث حيث مبادرة التعليم العالي للتنمية الريفية من خلال تطوير المناهج الدراسية بهدف المساهمة في تطوير وتنفيذ مشروعات مبتكرة في مجال التنمية الريفية وتنمية القدرات بقيادة مجموعات عمل من الجامعة الزراعية الصينية والتي تسعى إلى تعميم هذه المناهج على مستوى الدراسات العليا في الصين، ودعم البحوث في المناطق الريفية واستخدام نتائج البحوث الميدانية كمدخلات لمزيد من التطوير عبر تقديم منح لتشجيع طلاب الدراسا العليا على إجراء هذه البحوث الميدانية، والعمل على إثارة روح المبادرة والقيادة بين هؤلاء الطلاب، وتبادل الخبرات بين الأساتذة والطلاب.

تأتي هذه المبادرة لمواجهة طرق التعليم التقليدية والتلقينية في الجامعات والمعاهد العليا والتي فشلت في إيجاد حلول لمشكلات الفقر والبطالة في المجتمع لانفصال الدراسة عن الواقع، حيث شارك 28 أستاذ من أعضاء هيئة التدريس في هذه المبادرة منذ عام 2008 مع 250 طالب جامعي و50 خريج جامعي و80 طالب مرشح للدكتوراة إضافة إلى خبراء استشاريين في قضايا التنمية الريفية في الصين. وكان الهدف من هذه المبادرة محاولة إشراك الجهات الاجتماعية الفاعلة عبر أربع خطوات:

  1. تحديد أولويات البحوث وتحديد المشكلات والقضايا الرئيسية والفرص المتاحة في المجتمعات المحلية.
  2. تحليل الأسباب الكامنة وراء هذه المشكلات.
  3. اتخاذ الاجراءات اللازمة على المدى القريب والبعيد لحل المشكلات بالاستفادة من الفرص.
  4. الاستفادة من هذه الاجراءات في إدخال أي تعديلات مطلوبة حسب الحاجة.

يكفي للتدليل على أهمية هذه المبادرة الإشارة إلى ما أسهمت به في تحسين أحوال المزارعين الفقراء ففي إحدى الأطروحات للدكتوراة قدم الطالب رسالته عن تلبية احتياجات المرأة من خلال القروض الصغيرة حيث دار الموضوع حول استخدام المزارعين للموارد المالية والتمويل الريفي في قرية شاجيك بمقاطعة يانشي.

وأقام الطالب في القرية خلال فترة الدراسة وساعد أثناءها القرويات على الاستفادة من مشروع القروض الصغيرة الذي كان مقاما في القرية وقد اكتشف الطالب أن كثيرا من النساء ليست لديهن فكرة واضحة عن كيفية عمل المشروع فقدم النصح والمشورة لهن ونتيجة لذلك تضاعف عدد المستفيدات من هذه القروض من 18 إلى 36 إمرأة بقرض يبلغ في المتوسط 2000 يوان (حوالي 290 دولار أمريكي) حيث ارتفع دخل الأسرة لدى 18 إمرأة بحوالي 350 يوان.

وهناك العديد من الأمثلة على أطروحات للماجستير والدكتوراة ساهمت في ترشيد استخدام مياه الري، وفي معاونة المزارعين والمنتجين على تسويق منتجاتهم الزراعية، حيث الانطلاق من تلاحم الطلاب مع مشكلات المجتمع المحلي ومحاولة إيجاد حلول علمية وعملية لها.

رابط النشر


الخميس، 4 مارس 2010

الإغاثة بالمحمول.. جمع التبرعات عبر الرسائل القصيرة


http://www.onislam.net/arabic/nama/success-stories/113370-2010-03-04%2020-06-08.html

الأربعاء، 3 مارس 2010

"حفاظات" صديقة للطفل والبيئة.. مشروع منزلي ناجح


أمل خيري

هل فكرت يوما أن الميزانية التي يتكلفها الطفل الواحد من استهلاك الحفاظات الصناعية بدءا من ولادته حتى بلوغه عامين ونصف العام تتعدى خمسة آلاف جنيه؟ أي ما يعادل تكلفة زراعة فدان من القمح!إذا كنت لا تصدق فدعنا نحسبها معا..

يستهلك الطفل كحد أدنى خمس أو ست حفاظات يوميا، وقد تتعدى عشرا لدى بعض الأطفال، فإذا اعتبرنا أن الطفل يستهلك في المتوسط 6 حفاظات يوميا بما يساوي 2190 في السنة الواحدة، وغالبا ما يظل الطفل يستخدم الحفاظات حتى بلوغه عامين ونصف العام، يكون استهلك فيها ما يقرب من 5475 حفاظة، ومتوسط سعر الحفاظة الواحدة جنيه مصري "الدولار يعادل خمسة جنيهات ونصف جنيه تقريبا"، أي أن الطفل الواحد يتكلف كحد أدنى ما يزيد على خمسة آلاف جنيه، وإذا افترضنا أن الأسرة الواحدة لديها في المتوسط ثلاثة أطفال، فإن الميزانية التي تنفقها على الحفاظات تفوق 15 ألف جنيه، أي ما يكفي لإقامة مشروع صغير يساهم في تخفيض البطالة وتنمية المجتمع.

يضاف إلى ذلك ما يترتب على استخدام الحفاظات الصناعية من أضرار صحية على بشرة الطفل، حيث تحتوي الحفاظات على مواد كيميائية مثل الديوكسين التي تسبب السرطان وأمراضا أخرى، وتصنف وكالة حماية البيئة الأمريكية مادة الديوكسين على أنها من أشد المواد الكيميائية سمية، كما أنها تحتوي على مادة (TBT) وهي من الملوثات السامة المعروفة التي تسبب مشاكل هرمونية لدى البشر والحيوانات، إضافة لاحتوائها على بلورات فائقة الامتصاص تسبب التسمم، أما الأضرار الظاهرة فتتمثل فيما تسببه الحفاظات من طفح جلدي، فتضاف تكاليف أخرى لاستخدام كريمات معالجة هذا الطفح.

من الخياطة للمتجر الإلكتروني

كل ما سبق كان دافعا لساندرا روكو، وهي امرأة ماليزية وأم لطفلتين، لأن تبدأ مشروعا منزليا لتصنيع حفاظات قطنية آمنة، ولا تسبب الحساسية لجلد الطفل، ومتكررة الاستخدام مما يوفر في ميزانية الأسرة، لتصبح صاحبة متجر إلكتروني لتجارة مستلزمات الأطفال عبر الإنترنت.

في البداية كانت ساندرا تستنكر العودة لزمن الجدات حين كن يستخدمن الحفاظات القطنية القديمة الطراز والتي تقوم بالتسريب وتحتاج لمشابك ودبابيس قد تجرح الطفل، وهي مع ذلك غير محكمة، لكن رغبتها في توفير النقود التي تنفقها على الحفاظات الصناعية دفعتها لتجربة نوعية جديدة من الحفاظات القطنية التي اشترتها عبر الإنترنت، واكتشفت أن الأنواع الحديثة تختلف تماما عن تلك القديمة، حيث تتكون من عدة طبقات من القماش القطني أو الفيبر أو الصوف، وبأربطة لاصقة محكمة وسهلة التنظيف ليعاد استخدامها، فبدأت في البحث في الإنترنت عن أنواع وأشكال أخرى، ومن جانبها اختارت الأنواع القطنية لمناسبتها بشرة الطفل.

وخلال بحثها في شبكة الإنترنت قرأت الكثير عن خطورة استخدام الحفاظات الصناعية على بشرة الطفل، بل على البيئة، حيث تلقى الحفاظات المستعملة في النفايات والتي تساهم في تلويث البيئة، فقررت في عام 2007 أن تبدأ في تفصيل حفاظات قطنية من عدة طبقات من القماش، وقدمتها في البداية لصديقاتها على سبيل الهدية ثم بدأت في بيعها، وأخيرا فكرت في التوسع في مشروعها وبيع منتجاتها عبر الإنترنت، فأنشأت متجرا إلكترونيا بعنوان "مايا بامبينو"، و"مايا" هو اسم طفلتها الصغرى وعنوان المتجر:

الأم الخضراء!

وتعتبر ساندرا نفسها أما صديقة للبيئة، وتصف نفسها بأنها "أم خضراء" حيث لم يعد متجرها مقتصرا على بيع الحفاظات المصنعة يدويا فقط، بل امتد ليشمل كذلك أكياس تسوق صديقة للبيئة يعاد استخدامها حتى لا تلقى في النفايات، وتبيع أيضا حمالات قطنية لحمل الأطفال، وحقائب لمستلزمات الطفل، وصابونا طبيعيا مُصنعا من مواد عضوية، ومنتجات للعناية بالطفل، وألعابا آمنة، ومناديل قطنية لتنظيف الطفل، وأكياسا لحمل المناديل، وغيرها الكثير، وكل هذه المنتجات مصنعة منزليا باستخدام الأقمشة القطنية ومواد صديقة للبيئة وآمنة للطفل، ومع الوقت أصبح متجر ساندرا الإلكتروني يسوق لمنتجات أخرى شبيهة من ماركات عالمية، كل ذلك تحت شعار "استثمر في البيئة وفي صحة أطفالك".

وتقدم ساندرا من خلال متجرها الإلكتروني إرشادات للأمهات حول كيفية اختيار الحفاظات الأفضل، وكيفية غسل الحفاظات بسهولة وطرق تخزينها، ويمكن للمتصفح استعراض المنتجات عبر المعرض الإلكتروني الذي يصنف المبيعات حسب أنواعها.

وتؤكد ساندرا أن غسل هذه الحفاظات سهل وبسيط، وهناك أنواع متعددة من الحفاظات التي تقوم بخياطتها وتختلف حسب عدد الطبقات وطبيعة مادة الحشو، فهناك حفاظات مضغوطة، وحفاظات خارجية لمنع التسرب، وأخرى داخلية سهلة التنظيف.

والأمر لا يحتاج سوى تصميم الباترون المناسب وماكينة خياطة وبعض الأقمشة وأدوات الخياطة، أي أن المشروع لا يحتاج إلا لرأسمال متواضع، كما أنه لا يتطلب مكانا لإقامة المشروع، بل تستطيع أي أم أن تنفذه في البيت، ثم تقوم بتسويق منتجاتها بين معارفها أو عبر شبكة الإنترنت، وأحيانا تتعرض ساندرا لبعض الصعوبات مع متجرها الإلكتروني، لكنها سرعان ما تتجاوز الصعوبات وتنطلق في مشروعها مرة أخرى.

ومؤخرا عهدت لفرح رحيم بإدارة المتجر الإلكتروني لتتجاوز الصعوبات التي مرت بها في إدارة المتجر في الأشهر القليلة الماضية، وأكدت ساندرا أن فرح هي نموذج متكامل للأم الخضراء فهي أم لطفلين وتؤمن بضرورة استخدام المنتجات الطبيعية مع أطفالها بدءا من الحليب وانتهاء بالملابس والألعاب، لتكمل فرح مسيرة ساندرا في إدارة متجر مايا بامبينو للحفاظات القطنية.

ابتكار وحماية للبيئة

تجربة أخرى لأم في نفس المجال وهي أزرينا عزمي التي ذكرت أن الآثار المترتبة على استخدام حفاظات الأطفال الصناعية على البيئة كبيرة جدا، ولا يمكن تجاهلها، ففي الولايات المتحدة وحدها يتم التخلص من 18 مليار حفاظة كل عام، وهو ما يجعلها ثالث أكبر مصدر للنفايات الصلبة في مقالب القمامة، مع العلم أن حفاظات الأطفال غير قابلة للتحلل حيث تستغرق حوالي 500 سنة لتتحلل، كما أن إلقاء هذه النفايات في الأنهار والترع يتسبب في الإصابة بالالتهاب الكبدي الوبائي وأمراض أخرى، ويحتاج إنتاج الحفاظات الصناعية لأطفال العالم 82.000 طن من البلاستيك، ومليار شجرة سنويا، ومع تزايد عدد سكان العالم فإن هذا الاستنزاف للموارد الطبيعية يبعث على القلق.

ومن ثم بدأت أزرينا مشروعها والذي تعرض في البداية لمحاولات من التجربة والخطأ لتفصيل الحفاظات حتى نجحت في النهاية في تصميم وخياطة مجموعة منوعة من الحفاظات المناسبة لجميع الأطفال، وأصبح بيتها هو المصنع الذي تقيم فيه مشروعها، وبمساعدة زوجها نجحت في إنتاج حفاظات قطنية مبتكرة الأشكال والألوان قدمتها أيضا كهدايا للعائلة والأصدقاء، ولكنها بدأت تتلقى طلبات للشراء وفوجئت بردود فعل إيجابية عديدة من المشترين، حيث اختفى الطفح الجلدي لدى الأطفال وانخفضت تكاليف الميزانية المنزلية، ومن هنا فكرت في تسويق منتجاتها على الإنترنت.

لكن المشكلة التي واجهت أزرينا كانت في الحصول على القماش القطني الماص الجيد النوعية والذي لا يتوافر في ماليزيا، لذا كانت تضطر لاستيراده من الخارج، لكن أغلب الموردين رفضوا التوريد لها لانخفاض الكمية المطلوبة ولأن هؤلاء الموردين يفضلون التعامل مع الشركات والمصانع الكبرى على المشروعات الصغيرة التي تدار من المنزل، لذا لجأت للانضمام إلى رابطة أمريكية مكونة من الأمهات اللاتي يمتلكن مشروعات مشابهة لتصنيع الحفاظات القطنية من المنزل حيث تتيح هذه الرابطة للأعضاء شراء الأقمشة من موردين بأسعار الجملة وبكميات أقل، فدشنت مشروعها في عام 2006.

وأضافت أزرينا للحفاظات تصميمات ابتكارية من تزويدها بأبزيم لاصق وأزرار بلاستيكية وجعلتها في ثلاثة أحجام، لتناسب الطفل في مراحل نموه المختلفة، وبمرور الوقت وسعت من مشروعها، وأشركت بعض السيدات من ربات البيوت لمساعدتها في الخياطة من خلال البيت، فوفرت لهن فرصا لكسب الدخل دون مغادرة المنزل، وبدأت هي في التفرغ لإدارة المشروع والترويج للمنتجات وتسويقها إلكترونيا، وترى أزرينا أن هذا المشروع المنزلي ساهم في زيادة الترابط الأسري، حيث أصبحت قادرة على تمضية وقت كاف مع زوجها وأطفالها.

تجارب أخرى كثيرة وناجحة في نفس المجال أثبتت أن مشروع إنتاج الحفاظات القطنية سهل ولا يحتاج لرأسمال كبير، ويمكن للأمهات أن ينجحن فيه بسهولة كمشروع منزلي سواء في التصنيع أو التسويق، ويمكن للراغبين في التعرف على جدوى المشروع وأنواع الحفاظات وكيفية تفصيلها وخياطتها وتسويقها، زيارة كثير من المواقع التي تقدم إرشادات ونصائح في هذا المجال مثل:


كما يمكن البحث في جوجل باستخدام عبارة " Cloth Diapering" لتجد نتائج عديدة تفيد في هذا المشروع.
رابط النشر:


الاثنين، 1 مارس 2010

الاستهداف الصهيوني للعائلات الفلسطينية....دراسة توثيقية


أمل خيري *

عام مضى على حرب "الرصاص المصبوب" التي شنها العدوان الصهيوني على قطاع غزة محاولا تركيع الشعب الأعزل الذي اختار نوابه بإرادته الحرة وإرغامه على التخلي عن المقاومة من خلال سياسة العقاب الجماعي التي اتبعها من فرض الحصار الغاشم على القطاع والذي يدخل الآن عامه الخامس وحينما أدرك الاحتلال أن الحصار لم يجد نفعا في زعزعة تمسك أهالي غزة بالمقاومة والالتفاف حول قيادتهم المنتخبة قام العدوان الصهيوني بشن حرب إبادة على أهالي القطاع جوا وبرا وبحرا ، والتي استمرت قرابة الشهر، وراح ضحيتها ما يزيد على 1400 شهيدا ما بين نساء وأطفال وشيوخ ،استخدمت فيها إسرائيل كافة الأسلحة المحرمة دوليا وانتهكت فيها القوانين والتشريعات الدولية.

في هذا الاطار أصدر مركز "نساء من أجل فلسطين" كتابه الأول لتوثيق المجازر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني تحت عنوان "الاستهداف الصهيوني للعائلات الفلسطينية في حرب الفرقان 2009م" ، صدر الكتاب في ديسمير 2009 ويعد باكورة إصدارات المركز ، ويقع في 335 صفحة من القطع الكبير، ويهدف لتقديم دراسة توثيقية لمحاولة إبادة سكان غزة إبان الحرب التي شنتها القوات الصهيونية على قطاع غزة أواخر 2008 ومطلع 2009.

توثيق الجرائم

وصرحت ابتسام صايمة مديرة مركز نساء من أجل فلسطين أن هذا الاصدار جاء لتوثيق معاناة الشعب الفلسطيني وتضحياته، وصور جهاده، وتوثيق الاستهداف الصهيوني البشع لعائلات بأكملها ، وذلك للمحافظة على الذاكرة الفلسطينية وليعلم العالم كله بشاعة المحتل الصهيوني ودمويته،حيث قدم الكتاب عرضا مفصلا لجرائم الاحتلال وعدد الشهداء ، ويعد الكتاب جزءا من جهد جماعي لفضح الاحتلال وتعريته أمام المحافل الدولية، ومحاكمة من يقفون وراء هذه المجازر من مجرمي الحرب الصهاينة.

وتروي ابتسام صايمة أن فكرة الكتاب نبعت "حين قام الفريق الفني في مركز نساء من أجل فلسطين بزيارة مناطق الدمار بعد الحرب مباشرة لتصوير فيلم وثائقي عن معاناة الأهالي أثناء الحرب، فكان فيلم (غزة الألم والصمود)، ولأن المعاناة كانت أكبر من أن يستوعبها فيلم لا تتجاوز مدته الثلاثين دقيقة، جاءت فكرة أن يتم توثيق هذه المعاناة في كتاب يبقى شاهدا على الجريمة وتستوعبه الأجيال القادمة".

عكف فريق العمل على إعداد الكتاب على مدى عام كامل فتم تشكيل فريق عمل من المراسلات الصحفيات الذين قاموا بزيارة قطاع غزة كاملا من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، كما قاموا بلقاءات مع العائلات التي استهدفها العدو الصهيوني،واستمعوا منهم مباشرة لتفاصيل المجازر،وبعد الانتهاء من هذه المرحلة بدأت عملية الإعداد و التحرير ثم المراجعة والتدقيق اللغوي، ليصدر في نهاية المطاف هذا الكتاب الذي يقدم رواية دقيقة لمجريات وتفاصيل الأحداث.

عقبات في الطريق

وترصد صايمة في مقدمة الكتاب الصعوبات التي واجهت البحث ومن أهمها صعوبة الوصول للعائلات المستهدفة بسبب تشتت كثير من العائلات وتفرقها بعد استهدافها سواء بالاستشهاد أو الإصابة أو اللجوء لمنازل الأقارب أو السفر للخارج لتلقي العلاج ومع ذلك تم الوصول إلى معلومات دقيقة عن مجريات الحدث، والاستماع لتفاصيل دامية ومأساوية تعرض لها هؤلاء أثناء الحرب .يضاف إلى ذلك كثرة التفاصيل وعدم ترابطها في بعض الأحيان وتناقض الروايات، واختلاف أسماء الأشخاص في العائلة الواحدة، خاصة الزوجة التي تحمل اسماً مختلفاً عن زوجها وأبنائها، مما يشكل صعوبة في ربط علاقات الأشخاص ببعضهم البعض.

أما عن منهجية البحث فقد قام الفريق باستخدام المنهج الوصفي التاريخي في سرد الأحداث، وذلك من خلال شهادات الشهود أنفسهم ، ثم استقراء ما تجمَّع من معلومات وأرقام حول هذه المجازر، وعددها، وتفاصيلها ، حيث تم إحصاء تسعة وثمانين عائلة مستهدفة، أُنجز منهم ثمانية وثمانين عائلة، من خلال روايات الشهود والرواة ، واقتصر البحث على عائلات المدنيين أي العائلات الآمنة التي لحقها الاستهداف في البيوت والشوارع والمدارس واستثني الشهداء في المراكز الأمنية وأفراد المقاومة ، وتم ترتيب الروايات حسب وقوعها الزمني.

وتحتوي الدراسة على مقدمة وأربع مباحث حيث جاءت المقدمة بعنوان" مقدمات لا بد منها" استعرض من خلالها الدكتور زكريا السنوار أستاذ التاريخ في الجامعة الإسلامية بغزة، أسباب الصراع العربي الصهيوني كمدخل لفهم طبيعة العقلية التي تعامل من خلالها العدو مع أهالي غزة أثناء الحرب ،أما المباحث الأربع الرئيسية للكتاب فقد اشتمل كل منها على توثيق أحداث أسبوع من أسابيع الحرب وما جرى خلال الأسبوع من مجازر بحق العائلات الفلسطينية ، وفي الخاتمة جاءت النتائج والتوصيات متبوعة بعدة ملاحق توضيحية من أهمها احصاءات خاصة بعدد وأسماء الشهداء من الأطفال والنساء ، وتصنيف لأعداد العائلات التي استشهد فردين فأكثر من أفرادها وتوزيع نسب هذه العائلات على مناطق القطاع المختلفة ،وتقرير عن الحرب منشور في مجلة "هيومن رايتس" والذي يوضح طبيعة الأسلحة المستخدمة في الحرب ، إضافة إلى ملحق خاص بصور الحرب تبرز بشاعة العدوان.

الشمال الأكثر استهدافا

يقدم الكتاب احصائية حول عدد العائلات الضحايا في مناطق قطاع غزة المختلفة حيث بلغ عدد العائلات المستهدفة في الشمال 44 عائلة من إجمالي 88 عائلة استهدفت خلال الحرب بنسبة 50% ، تليها مدينة غزة والتي استهدف فيها 30 عائلة بنسبة 34% ، ثم الجنوب 8 عائلات بنسبة 9% وأخيرا المنطقة الوسطى 6 عائلات بنسبة 7%.

من بين هذه العائلات استهدف العدو الصهيوني عائلات بأكملها مثل عائلة السموني التي استشهد 29 من أفرادها ، وعائلة الداية التي قدمت 22 شهيد ،وعائلة ريان التي استشهد منها 16 فرد ،واستشهد 11 من أفراد عائلة ديب ، وبلغ عدد العائلات التي استشهد منها شهيدين 39 عائلة ، والعائلات التي قدمت 3 شهداء بلغت 20 عائلة ، و9عائلات قدمت أربعة شهداء ، و7عائلات قدمت خمسة شهداء ، و6عائلات قدمت ستة شهداء و7عائلات استشهد من أفرادها 7 فأكثر.

كما ضم الكتاب ملحقا نشر بمجلة هيومن رايتس بعنوان "أمطار النار:استخدام (إسرائيل) غير القانوني للفسفور الأبيض في غزة" ، حيث ذكر التقرير أن الفسفور الأبيض عبارة عن مادة كيماوية تشتعل وتحترق لدى اتصالها بالأوكسجين، وتولد دخاناً أبيض كثيفاً يدوم لمدة سبع دقائق، وله رائحة مميزة تشبه رائحة الثوم،وحين يشتعل في الجو يمكن أن تسقط 116 شظية مغلفة بالفسفور من القذيفة المدفعية 155 ملم العادية، وتنتشر الشظايا على مساحة تصل إلى 250 متراً ،مطلقة 5,7 كيلو جرام من الفسفور الأبيض المحترق الذي يؤدي لحروق كثيفة عند ملامسته للأشخاص أو الأشياء ،كما يمكنه أيضاً اختراق الأجساد وإصابة الأعضاء الداخلية بالتسمم ،والفشل الكلوي وإصابة الكلى، وتدمير الأنسجة العضوية .

كما يعرض التقرير أهم المناطق التي تعرضت لإطلاق الفسفور الأبيض خلال الحرب من بينها حي تل الهوى بمدينة غزة ،حيث أصاب مجمع مستشفى القدس ،ومستشفى الشفاء ، كما تعرض مجمع مقر الأونروا بمدينة غزة لقذائف الفسفور الأبيض ، مدرسة الأونروا في بيت لاهيا ، وقرية صفاية،وقرية الخزاعة وغيرها من المناطق.

حقائق وأرقام

على نفس النهج قدم المركز الفلسطنيني لحقوق الانسان قائمة بأسماء الضحايا الذين وصلوا إلى 1419 شهيد ،كما ظهر من تقارير لمراسلي المركز الفلسطيني للاعلام أن أول العائلات التي استهدفت أثناء الحرب كانت عائلة بعلوشة التي استشهد منها خمس طفلات شقيقات في اليوم الثاني لبدء الحرب.

وتشير احصاءات أخرى أن عدد الشهداء بلغ حوالي 1450 شهيد ، 82% منهم مدنيين ،35 % من النساء والأطفال، ، إضافة إلى 5450 جريح ، 49 % منهم نساء وأطفال ، وأن اسرائيل قامت بإلقاء 1000 طن من القنابل على قطاع غزة وشنت أكثر من 2500 ضربة جوية ، وتم تدمير 20 ألف منزل بينهم أكثر من ألفين دمروا تدميرا كاملا ،وشردت 8784 عائلة بما يمثل حوالي 52 ألف فرد ، كما خلفت الحرب حوالي 500 معاق ما بين بتر للأطراف أو فقد للسمع أو البصر ، وأسفرت الحرب كذلك عن تدمير 92 مسجد و7 مدارس وحوالي 6,855 دونما من الأراضي الزراعية ، كما اعتقل قرابة 1000مواطن استخدم المئات منهم كدروع بشرية .

من جانبها أعلنت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان أن أكثر من نصف الفلسطينيين الذين قتلوا في حرب غزة من المدنيين وذلك في نتائج تناقض إحصائيات الجيش الإسرائيلي التي تؤكد أن أغلب القتلى من المقاتلين الفلسطينيين ، كما ذكرت بتسليم أن هناك 230 من القتلى دون سن 18 عام.

---------------

* نشر بتقرير القدس الشهري الصادر عن مركز الإعلام العربي -عدد 135 السنة الثانية عشرة - ربيع الأول 1431 هـ - مارس 2010 م- ص 41:44