الثلاثاء، 21 مايو 2013

اقتصاد العالم في قبضة الثلاثة الكبار!


حقيقة الدور المشبوه لوكالات التصنيف الائتماني 

كتبت: أمل خيري 

جريدة الشعب 

للمرة السادسة منذ انطلاق الثورة المصرية أعلنت وكالة "ستاندرد آند بورز" العالمية للتصنيف الائتماني تخفيض تصنيف الديون السيادية الطويلة الآجلة بالعملتين الأجنبية والمحلية من "B-" إلى "C+" مع نظرة مستقبلية سلبية، وأشارت الوكالة إلى أن تخفيض التصنيف الائتماني جاء على خلفية تصاعد المخاطر الخاصة بالمالية العامة للدولة، حيث يبدو الوضع المالي للدولة غير مستدام. 

ولم تكتف الوكالة بذلك بل أعلنت الخميس الماضي تخفيض تصنيفها لـ 4 بنوك محلية، وهي "الأهلي المصري"، و"مصر"، و"التجاري الدولي"، و"الأهلي سوسيتيه جنرال". وأرجعت الوكالة فى بيان لها، السبب وراء التخفيض إلى ما أسمته مخاطر قد تتعرض لها هذه البنوك من استثماراتها في الدين الحكومي المحلي. 

بالطبع سارع الكثير من خبراء الاقتصاد لإبراز المخاوف بشأن تردي الأوضاع المالية في مصر عقب هذا التخفيض في إشارة إلى أن الخبر سينعكس سلبا على الاستثمارات المحلية والأجنبية بالإضافة إلى مفاوضات صندوق النقد الدولي مع مصر وربما انهيار الاحتياطي النقدي. فهل لهذا التهويل ما يبرره؟ وماذا يعني خفض التصنيف الائتماني للدولة؟ وما أبرز الوكالات القائمة بهذا الدور وكيف تقوم بعملها؟ وهل تحكم هذه الوكالات قبضتها على اقتصاد الدول؟ وما حقيقة دورها المشبوه في تدمير الاقتصاد؟ 

شهادة ثقة اقتصادية 

التصنيف الائتماني أو درجة الجدارة لأي جهة يقصد به تقدير صلاحيتها للحصول على قروض وقدرتها المالية على تسديدها. وتضطلع بهذا الدور وكالات متخصصة للتصنيف، تعود نشأتها لعام 1975، استجابة لطلبات شركات التأمين الأمريكية من هيئة الأوراق المالية الأمريكية لتحديد حجم المخاطر التأمينية، ومع الوقت أصبحت هذه الوكالات تقوم بتصنيف الجدارة الائتمانية للدول كذلك. 

وتحتكر السوق العالمية في مجال التصنيف الائتماني ثلاث وكالات هي: "ستاندرد آند بورز" ، "فيتش" إضافة لوكالة "موديز"، ويستحوذ الثلاثة الكبار على أكثر من 90 % من السوق. وتتراوح درجة التصنيف بين جدارة ائتمانية عالية AAA، والتي تدل على استقرار الدولة المصدرة للسندات أو الصكوك، ثم جدارة متوسطة تبدأ من BBB، ثم CCC والتي تحمل درجة مخاطرة عالية، وأخيرا D والتي تشير إلى تعثر الدولة أو اقترابها لحافة الإفلاس. 

وبما إن الأسباب المعتادة لتخفيض تصنيف الدول تتلخص في انخفاض الاحتياطي النقدي وعدم الاستقرار السياسي والانفلات الأمني وغيرها من المؤشرات، فإن التخفيض الأخير لمصر تقف وراءه أسباب سياسية بالتأكيد؛ فلا يخفى على أحد أن هذا الإعلان جاء عقب ارتفاع الاحتياطي النقدي بمقدار مليار دولار خلال شهر أبريل، فكيف يتم تخفيض التصنيف الائتماني مع ارتفاع الاحتياطي؟، إضافة إلى الهدوء النسبي الذي تشهده البلاد. 

من هنا لا يمكن قراءة هذا الإعلان الأخير عن تخفيض التصنيف الائتماني لمصر إلا في ضوء الموافقة على قانون الصكوك، والإعلان عن البدء في مشروع تنمية إقليم قناة السويس، وزيارات الرئيس الأخيرة لدول البريكس وإبداء رغبته في انضمام مصر للمجموعة، فهذا التقييم جاء بعد يوم واحد فقط من زيارة مرسي للبرازيل، كما تأتي مع ارتفاع توريدات القمح التي تؤذن بانخفاض وراداته من الخارج خاصة من الولايات المتحدة أكبر مورد للقمح في مصر، مما يثير الشك حول عمل هذه الوكالات، في خطوة تبدو استباقية لإخافة المستثمرين من الإقبال على مشروع تنمية القناة أو الصكوك أو الإقدام على أي استثمارات في مصر، وكأنها تعاقب مصر على كل ما سبق ذكره من خطوات. يعزز ذلك ما أعلنته "ستاندرد آند بورز" : "نعتقد أن مصر على المحك، وتحتاج إلى حد كبير من التوافق السياسي والاقتصادي، لتتمكن من الوفاء بخدمة ديونها"، وهو تدخل سياسي سافر من قبلها. 

لعبة التصنيف 

فلنعد لمقولة توماس فريدمان الذي قال منذ أكثر من ثلاثة عقود:
" إذا كانت أمريكا تستطيع أن تدمر أى دولة بقوتها العسكرية فإن "موديز" تستطيع تدمير أى دولة من خلال تصنيف سنداتها ومنعها من الاقتراض من أسواق المال العالمية". وهذه المقولة صادقة تماما؛ فقد لعبت هذه الوكالات دورا مشبوها في تدمير الدول، حيث التلاعب بالتصنيف والذي على أثره يتخذ المستثمرون قراراتهم بالاستثمار في دولة ما أو التراجع عن ذلك الاستثمار. 

يكفي الإشارة إلى أنه في فترة السبعينيات كان المستثمرون أنفسهم يقومون بدفع المال لوكالات التصنيف مقابل الحصول على التقارير، إلا إنه بمرور الوقت أصبح مصدرو السندات أو المؤسسات الخاضعة للتقييم هي التي تدفع لهذه الوكالات مما يجعل مصداقيتها على المحك. 

وهناك أمر آخر يجعلنا نتشكك في مصداقية هذه الوكالات؛ فسوق التصنيف يسيطر عليه ما يسمى باحتكار القلة، فالوكالات الثلاث الكبرى استحوذت بمرور الزمن على الوكالات الصغيرة المنافسة، كما أن هناك تدخلا حكوميا سافرا يعزز هيمنة هذه الوكالات على السوق؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية لا يجوز إصدار وتداول سندات الدين في الأسواق ما لم يكن قد تم تصنيف هذه السندات من قبل وكالتين على أدنى تقدير، من الوكالات التي تعترف بها "اللجنة الأمريكية للأوراق المالية والتحويل الأجنبي"، إضافة إلى ما يكتنف عمل هذه الوكالات من عدم شفافية. 

من أجل هذا كله أخذ الكثير من وزراء المال الأوروبيين في التشكيك في هذه الوكالات عقب قيام الثلاثة الكبار بخفض تصنيف الوضع الائتماني للعديد من دول اليورو، مما دفع الأوروبيين للحديث عن إمكانية إنشاء وكالة تصنيف جديدة تواجه احتكار الثلاثة الكبار، فقد دعا رئيس المفوضية الأوربية "خوسية مانويل روسو" إلى تأسيس وكالة تصنيف ائتمانية أوربية للفكاك والتحرر من السيطرة الأمريكية. وكانت الصين قد تنبهت لهذه السيطرة الأمريكية فسارعت بإنشاء وكالة "داغونغ" للتصنيف الائتماني عام 1994. 

وكشف البعض عن انهيار سمعة هذه الوكالات عقب الأزمة المالية العالمية عام 2008، حيث انهارت مؤسسات مالية كبرى وبيوتات تجارية عملاقة وشركات صناعية عالمية كانت قد حصلت من الثلاثة الكبار على تصنيفات مالية ممتازة، فأصبحت سمعة هذه الوكالات محل شك. 

الخلاصة أنه لا يجب النظر لتصنيفات الوكالات على أنها صكوك ثقة وشهادات مصداقية، ولا يجب أن نعطيها كل هذا القدر من الأهمية دون النظر إلى ما يحيط بها من شبهات وما قامت به من دور مشبوه على مدى تاريخها في معاقبة الدول أو الأنظمة عبر تفزيع المستثمرين باستخدام لعبة التصنيف. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق